التأتأة: تعريفها وأسبابها ودور أخصائي التخاطب في تقييم وعلاج
المشكلة
هالة أبولية – أخصائية أمراض النطق واللغة
مركز جدة للنطق والسمع
تعتبر التأتأة أوالتلعثم من الاضطرابات التواصلية التي تؤثر
على انخراط الشخص في المجتمع من النواحي الأكاديمية والوظيفية والاجتماعية.
تعرّف التأتأة بأنها اضطراب في طلاقة الكلام تتسم بصعوبة في
إصدار الكلمات بطريقة سلسة وبسيطة ومسترسلة فتظهر سلوكيات التأتأة التي تكون إما
على شكل وقفات أو تكرار أو إطالة. تظهر التأتأة عادة في سن الطفولة وقد تمتد إلى
عمر متقدم إذا لم يتم التدخل العلاجي المناسب وقت ظهورها.
تنقسم أعراض التأتأة إلى نوعين: سلوكيات أساسية وسلوكيات
ثانوية.
السلوكيات الأساسية: تتعلق السلوكيات الأساسية بالتأتأة المسموعة والتي يلاحظها
المستمع في كلام الشخص الذي يعاني من التأتأة
1.
الوقف: تكون الوقفات عادة في أوائل الجمل أو العبارات وينتج
عن توقف كامل لانسياب الهواء في الحنجرة أو أعضاء النطق مما يؤدي إلى انقطاع في
الكلام وتوقف مفاجئ. قد تكون الوقفات مسموعة أحيانًا حيث يحاول الشخص أن يتغلب على
لحظة التأتأة بزيادة الضغط أو الشد على أعضاء النطق. تتفاوت شدة ومدة الوقفة
الواحدة بين الأشخاص الذين يعانون من التأتأة. وإجمالا، كلما زادت شدة وطول مدة
الوقفة تكون مشكلة التأتأة أكثر تعقيدًا.
2.
التكرار: وذلك بأن يكرر الشخص أجزاء من الكلمات أو كلمات كاملة
أو عبارات كاملة. تختلف التكرارات في سرعتها وعددها لدى الأشخاص الذين يعانون من
التأتأة وقد تؤدي إلى انقطاع في التصويت عند زيادة شدتها.
3. الإطالة: تتمثل في مد الأصوات
الكلامية في محاولة للشخص لبحث عن الحركة الصحيحة لإصدار الصوت التالي. فبدلا من
أن يقول "سيارة" يقول "ســـــــــــــــــــــيارة". تتفاوت
مدة الإطالة بين الأشخاص الذين يعانون من التأتأة.
السلوكيات الثانوية: والتي تتعلق برد فعل الشخص تجاه التأتأة في الكلام. قد تظهر
هذه السلوكيات قبل أو بعد أو خلال لحظة التأتأة.
1. الهروب: تتسم سلوكيات الهروب بحركات جسدية يقوم بها الشخص
الذي يعاني من التأتأة للتهرب من الموقف مثل إغماض العينين أو الإشاحة بالوجه
بعيدًا عن المستمع أو الشد على الفك أو تحريك اليدين أو كامل الجسم بصورة ملحوظة
أو التغير في حدة الصوت وشدته. لا يمكن تعميم هذه السلوكيات على جميع الأشخاص الذين
يعانون من التأتأة حيث تختلف من شخص إلى آخر.
2. التجنب: يحاول الشخص الذي يعاني من التأتأة تجنب من بعض
المواقف الكلامية وذلك نتيجة لتكوينه صورة سلبية عن نفسه في السابق أثناء هذه
المواقف نتيجة لتعرضه للتأتأة فيها. تتنوع سلوكيات التجنب لتشمل التظاهر بالبحث عن
الكلمة أو تجنب بعض المواضيع الكلامية أو تجنب بعض الكلمات أو الأصوات التي تعرض
للتأتأة عند محاولته لإصدارها في السابق أو استخدام الحشوات الكلامية مثل
"يعني... مممم.. عارف؟" بشكل متكرر وملفت للإنتباه.
أسباب التأتأة:
تشير أغلب الأبحاث والنظريات العلمية مؤخرًا إلى أن العوامل
الجينية والوراثية تلعب دورًا كبيرًا في مشكلة التأتأة حيث يحمل الشخص الجينات
التي تجعله معرضًا للتأتأة أكثر من غيره. أما العامل النفسي أو التعرض لموقف مؤثر
في حياة الشخص مثل الانتقال من مكان إلى آخر، أو انفصال الوالدين، أو موت شخص عزيز
وغير ذلك من أسباب الضغوط النفسية، فإن الأبحاث والتقارير العلمية تشير إلى أن هذه
العوامل تحفز تنشيط الجين المسؤول عن التأتأة وتساهم في ظهور المشكلة، ولكنها لا
تعتبر مسببة للتأتأة في المقام الأول.
هناك بعض العوامل التطورية والبيئية أيضًا التي تصاحب ظهور
هذه المشكلة لدى الأطفال خصوصًا، من أمثلة العوامل التطورية البدء في استخدام دورة
المياه،أو الإنفجار اللغوي في عمر مابين 3-5 سنوات حيث يزداد العبء على الدماغ من
حيث التزايد السريع في المفردات والصيغ اللغوية المختلفة مما قد يساهم في زيادة
حدة التأتأة. ومن العوامل البيئية التي قد تساهم في ظهور التأتأة التحاق الطفل في
الحضانة أو الروضة وانفصاله المفاجئ عن والدته لهذا السبب، أو قدوم فرد جديد في
الأسرة، أو تعرض الطفل للانتقاص أو الاستهزاء لأي سبب كان. نؤكد على أن هذه
العوامل لا تسبب التأتأة ولكنها تحفز ظهورها لدى الشخص الحامل لهذه الصفة
الوراثية.
التقييم:
يتم التقييم بواسطة أخصائي التخاطب عن طريق جمع المعلومات
الخاصة بالتاريخ الأسري للمشكلة وتاريخ ظهور المشكلة والظروف المصاحبة لها ومشاعر
الشخص تجاه المشكلة (يتم سؤال الأهل في حالة التأتأة لدى الأطفال). يتم جمع هذه المعلومات
عن طريق سؤال الشخص والتحدث إليه عن المشكلة. بعد ذلك، يتم جمع وتحليل عينة كلامية
للشخص لمعرفة نوع السلوكيات الأساسية والثانوية التي يقوم بها الشخص وبالتالي
تقدير شدة المشكلة والمؤشرات الإيجابية والسلبية لتقدم الحالة.
التدخل العلاجي:
الطريقة العلاجية المتبعة مع أغلب حالات التأتأة هي الطريقة
السلوكية. تشمل الطريقة السلوكية تدريب الشخص على أساليب كلامية واستراتيجيات تشجع
على الكلام السهل والبدايات السلسة للعبارات وتخفيف الضغط على أعضاء النطق أثناء
الكلام. يركز البرنامج العلاجي على تعزيز الطلاقة في المواقف الكلامية المختلفة
وتقليل الحساسية تجاه المواقف التي يتجنبها الشخص وذلك عن طريق تدريبه على استخدام
استراتيجيات الطلاقة أثناء الكلام في هذه المواقف. كما يتم مراعاة الجانب النفسي
المتعلق بالمخاوف والأفكار السلبية التي قد تكون لدى الشخص تجاه مشكلة التأتأة.
تجدر الإشارة أن الدافعية لتلقي البرنامج العلاجي والتخلص من مشكلة التأتأة
يعتبران من المفاتيح الأساسية لنجاح البرنامج العلاجي.
التأتأة في مرحلة ما قبل المدرسة:
تظهر التأتأة عادة في مرحلة ما قبل المدرسة أو في السنوات
الدراسية الأولى وقد تستمر إلى ما بعد ذلك. لا توجد طريقة علمية للتنبوء بإذا ما
كانت المشكلة عرضية أو أنها ستستمر إلى ما بعد سن ما قبل المدرسة. ولكن، توجد بعض
المؤشرات المتعلقة بالسلوكيات الأساسية للتأتأة والتي تمثل علامات خطورة وتستدعي
التدخل العلاجي المبكر. بعض هذه المؤشرات:
1. تكرار أجزاء من الكلمات بشكل متكرر
2. الإطالة
3. إضافة صوت علة إلى الكلمات مثل "شنـاطة" بدلا
من "شنطة"
4. تغير شدة وحدة الصوت
5. صعوبة في إصدار الكلمات مصحوبة بالتوتر
6. الخوف والتهرب
7. وعي الطفل بالمشكلة وتذمره منها
8. وجود تاريخ أسري بالمشكلة
9. وجود مشاكل نطقية أخرى مصاحبة للتأتأة
التدخل العلاجي للأطفال لعمر ما قبل المدرسة:
الأخصائية هالة أبو لية |
تختلف طبيعة البرنامج العلاجي للأطفال في عمر ما قبل المدرسة
باختلاف درجة وعي الطفل بالمشكلة و تبعًا للبرنامج الذي يفضله الأهل. توجد
بعض البرامج العلاجية المباشرة أو غير المباشرة.
التدخل العلاجي المباشر: يركز هذا النوع من البرامج على استهداف سلوكيات الطلاقة/
عدم الطلاقة بشكل مباشر عن طريق تعزيز الطلاقة. يعتبر برنامج (لدكم Lidcombe) من البرامج العلاجية السلوكية الناجحة لعمر
ما قبل المدرسة والذي يعتمد بشكل أساسي على النظرية السلوكية في تعزيز الطلاقة
خلال الجلسات العلاجية والمتابعة المنزلية من قبل الأهل.
التدخل العلاجي غير المباشر: ويعتمد بالدرجة الأولى على عدم استهداف سلوكيات الطلاقة أو
التأتأة إطلاقًا في البرنامج العلاجي وعدم الإشارة إليها. يتم تدريب الأهل
والأشخاص المحيطين بالطفل على تعديل طريقتهم في الكلام وذلك باستخدام الكلام السلس
البطيء. كما يتم تعديل البيئة المحيطة بالطفل من حيث تقليل الضغوط النفسية
أو الأكاديمية ودعم الطفل نفسيًا ومعنويًا في المجالات الأخرى بعيدًا عن التركيز
على التأتأة حصرًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق